ايه رأيك فى المدونة ؟

الأربعاء، 6 يونيو 2012

قصص قصيرة .. لكنها موجعة





  يستمع بعدم فهم لأغنية ( الواد ده حلو سابق نفسه )  حيث تغنيها له جـــدتــه  بكل مودة و حب و اصرار على أنه

حلو وسابق سنه
  هو طفل صغير لم  يتعدى الخمس سنوات . و كان يحب الجدة  جدا ويناديها بــ ( ماما ) لأنها كانت بمثابة
امه الثانية فعلا .
قالت له وهو يلتصق بقدمها ملتمسا الدفء بينما  تقوم هى بنشر الغسيل
انت ان شاء الله بكرة لما تكبر هتدخل كلية هندسة هنا فى بورسعيد  وهتبقى جنبى , رد عليها بأنه يعشق هذه المدينة ويحبها أكثر من دمياط  , البلد الأخرى التى يذهب فيها الى الحضانة ليستمتع علاء -زميله الشرير - بضربه
قالت له بينما تتأمل غسيلها ناصع البياض بزهــو : ستدخل كليتك هنا  و ربما تتزوج من بورسعيد لأرى أولادك 
  لم يكن يفهم معنى كلمة كلية اصلا او ما هو كنه الزواج لكنه كان يشعر بـ حبا خالصا مخلصا فى عينيها واحساسا صادقا محببا له يخترق مسام جسده الصغير ليبعث فى عروقه دفئ ليس له مثيل 

أشار الى - جوانتيات القماش السوداء - بعيون خائفة وأخبرها بأنه يرتعب منها .. قالت له لا تخف
انها مجرد اشياء تحفظ يدها من صقيع الشتاء نظر لها ببراءة الصغار وهو متأكد انه لا أحد يستطيع ان ينال منه او يخيفه  حتى هذه الأصابع السوداء المخيفة التى يسميها الكبار بــ - الجوانتيات -  لا شىء يستطيع أن ينال منه   فى وجـــود هذه الجدة الباسلة التى كان يناديها بــ ماما , احتضن ساقها بساعديه الصغيرين و رفع رأسه لينظر لها فى براءة و  ود  متمنيا 
لو يمضى كل حياته متشبثا هكذا بها 
سمع صوتا موسيقيا ناعما ينساب من موبايله .. لينتفض من على سريره بعنف متعرق الجسد 
دامع العينين  , قلبه يدق بعنف  وصدره يفيض بمشاعر الحزن والشجن
 وقد أدرك ان كل ما سبق , مجرد حــلــم  ليلة شتاء باردة

فهو الان ليس فى الخامسة بل تخطى العشرين  , و الجدة التى يناديها بماما قد رحلت صغيرة اثر مرض ملعون بينما لم تتجاوز الثانية والخمسين , وهندسة بورسعيد التى كانت تحلم بأن يدخلها يوما  قد تحورت مع الزمن الى أداب دمياط , وأنه قد أتم خطبته على بنت جميلة  بدون حتى ان تراها الجدة أو ( تزغرد لها فى الخطوبة ) , وأن بورسعيد الباسلة التى يحبها أكثر من دمياط قد  تحولت فجأة الى بور حزين

وأن أشياء كثيرة جدا قد رحلت مع جدته الى القبر  ,  اهمها البراءة التى كان يتأمل بها وجهها الباسم
جميل القسمات



..


2.

استيقظ على رسالة هائلة من حبيبته التى هاتفها بالأمس ليعلمها بانه لابد أن يفترقا حيث أنه لم يمر وقت طويل على تخرجه من الجامعة   و مازال لم يعثر على عمل ثابت بعد و لا يمتلك مالا كافيا لخطبتها وأنها جميلة جدا ولابد أن عريس واحد  على الاقل  فى اليوم سيدق بابها طالبا يدها , وهى , لابد , ستضعف أمام ضغوط اهلها فى لحظة ما
كانت رسالتها التى استيقظ على صفيرها فى الصباح من ثلاث كلمات : أحبك وسأبقى معك
نظر الى الرسالة نظرة حزن ممزوجة بألم وصدره يموج بكل معانى العجز والهوان ارتدى ملابسه المميزة للشركة التى يعمل بها - اليونيفورم -  وحمل شنطته الصغيرة المليئة بخطوط المحمول المميزة باللون الأحمر وبدأ رحلته اليومية بمحاولة اقناع المارة  بأن هذا الخط مميز و ملىء بعدد كبير من الدقائق والرسائل المجانية  وكذلك شنطة هدية كان قد تعود على اهانة الناس ونظرات السخرية غالبا او الاحتقار والتعالى  احيانا , لكن رسالة حبيبته الصباحية أضافت الى قلبه المثخن بالجراح والمثخن بالوجع ألاما جديدة وأعباء أكثرقال له شخص يرتدى ملابس رثة وتظهر على ملامحه أمارات السكر والعربدةأديك انت شنطة هدية  وتيجى تكنسلى المحل) ؟؟ )ونظرت اخرى محجبة - لكنها تظهر نصف شعرها  -  الى صديقتها وهو يحاول اقناعها بشراء خط المحمول قائلة فى ميوعة ..(ده عبيط ده ولا ايه ).. وتبادلتا ضحكة رقيعةسأل نفسه  : لماذا يمتلىء هذا الوطن بالمرضى النفسيين ,  لا يدرى لماذا قفز الى ذهنه فجأة
بيت الشعر الشهير (المتحدث عن العرب) : - هذي الأمة لابد لها أن تأخذ درساً في التخريب  لم يعد يحتمل هذه الاهانات .. لكنه واصل المحاولات .. فما باليد حيلة  تروح وتجىء سيارات خرافية بأسعار خرافية بينما هو لا يملك مجرد ثمن شبكة بسيطة لخطبة حبيبته , يتذكر هاجس ضياعها منه فيحاول الاجتهاد أكثر فى ان يبيع للناس خطوطه التى يحملها فكل خط عليه عمولة له 
  هى عمولة بسيطة جدا .. لكنه يحاول من باب لعل وعسى
ذهب ليفاتح رجلا تبدو عليه سمة الاحترام وقال له بلهجة ألية : حضرتك ده خط مميز فيه دقايــ ...  لم ينتظر الرجل بقية كلام الفتى وقال له : ( والله حرام اللى بيعملوه فى الشباب ده , انتو جيل مظلوم , خد يابنى الخمسة جنيه , ومش عايز  الخط  ) , نظر الفتى  مستنكرا ومصدوما الى ورقة الخمس جنيها التى تحتل يده  ثم نظر الى ظهر الرجل الذى ابتعد بسرعة منهيا اى محاولات لارجاع النقود او استلام الخط

أحس الشاب الجامعى بألم ممض فى صدره ومرارة تزداد فى حلقه و أن ساقيه لم تعد  تقوى على حمله
جــر قدميه الى أول ركن  وجلس على التراب ليبكى بحرقة وعنف
بكى كما لم يبكى من قبل  , حتى علا نشيجه ,غير مبال لملابسه التى تلوثت
أو لنظرات المارة المشفقة

و يتردد فى رأسه بيت الشعر الشهير (المتحدث عن العرب) : - هذي الأمة لابد لها أن تأخذ درساً في التخريب


ليست هناك تعليقات: