ايه رأيك فى المدونة ؟

الجمعة، 19 فبراير 2010

عندما رأيت لحظات وفاتى



الــيــــوم ..

السبت .. شتوى الطابع .. ممطر المزاج .. احد ايام يناير كثيرة المطر


هو اليوم الذى شهد ميلاد محمد سمير فى صيف اغسطس شديد الحرارة

وهو اليوم الذى شهد وفاة محمد فى شتاء يناير قارس البرودة

هو اليوم الذى لم يمر مرور الكرام على احباء واصدقاء هذا الشاب الذى لم يتجاوز الثانية والعشرين بعد

.......

عندما بدأت ابواق سيارات الاعلان عن الوفاة تسير فى شوارع المدينة مرددة الكلمة الاشهرفى هذه الظروف ,, توفى الى رحمة الله فقيد الشباب

كانت الجملة المأثورة بين معارفه بعد لحظات من وفاته هى



( محمد هجام مات )

( بتقول ايه ,, مات ,, بتهرج ؟؟ )

( لا مات ,, امبارح بالليل فى حادثة عربية ,, الجنازة بكرة العصر فى جامع عمرو بن العاص , قول للناس , البقاء لله )


الجملة السابقة تكررت عشرات المرات ونقلتها سماعات التليفونات المحمولة والارضية .. تكررت مختلطة ببكاء .. مختنقة فى الحلوق من

أثار الدموع .. وبرغم انها جملة مقتضبة وقصيرة الا انه تخللها ثوان من الصمت .. حتى يتمالك المتحدث نفسه ويتوقف عن البكاء كى يستطيع

التحدث الى الطرف الاخر

........


حادث سير او - حادثة عربية -

وهو يعبر الطريق مستغرقا فى تأملاته الخاصة التى يغرق فيها عادة عندما يسير وحده ليلا وبينما تتردد فى اذنه اغنية اواخر الشتا ..

مقطع

على سهوة ليه الدنيا بعد ما عشمتنا وعيشتنا شوية.. رجعت موتتنا .. والدنيا من يوميها يا قلبى عودتنا .. لما بتدى حاجات اوام ..

تاخد حاجات ..

وبينما يتذكر ذكرى قديمة مؤلمة من ذكرياته القديمة التى لا تنتهى ..

شىء فى صدره يؤلمه .. يوقن انه ليس ألم البرد لانه يرتدى ملابس ثقيلة بعد الحاح امه عليه ..

شىء فى قلبه يتوسل اليه ان يعود ادراجه الى المنزل ..

لكنه لا يصغى الى هذا الشىء ابدا ويستمتع باجترار الذكريات بينما تدوى فى روحه اغنية , اواخر الشتا , الخالدة

و قد فتحت السماء جميع ابوابها على مصاريعها للماء الذى يتدفق على راسه بغزارة ..

الجو الذى طالما عشقه وعشق السير فى شوارعه

يستمتع بالعادة الذميمة التى ادمنها منذ صغره .. عادة السير تحت المطر او الجرى ان امكن

وبينما الشوارع الرئيسة قد خلت تماما من البشر

كان سائق السيارة يسير بسرعة هائلة ولا يتوقع ان يعبر اى مخلوق الشاعر فى هذا الطقس المستحيل .. فى هذه الساعة المتأخرة جدا من الليل

لكنه القدر الذى جعل فرامل السيارة لا تطيع سائقها بسبب الارض الزلقة بفعل دفقات المطر

هو ايضا القدر الذى اطاح بمحمد على الارض كى يلفظ انفاسه الاخيرة

وحينها ,,

لم يشعر محمد بأى الم من اى نوع ولم يرى الناس التى كانت نائمة تهب من مكامنها كى تنقذ الشاب العشرينى الغارق فى دمائه

فى لحظاته الحاسمة الاخيرة والتى تشبه الوقت بدل الضائع فى المباريات حين تلفظ انفاسها الاخيرة

رأى كل حياته .. منذ بدأ كيانه الاحساس بالاشياء وحتى سكرات الموت

اهم الاحداث فى حياته ظهرت على شاشة خياله فى تتابع مدهش

وكأنه اعلان فى التليفزيون لفيلم جديد سيطرح فى دور العرض قريبا

رأى جدته التى سألها يوما عن عمره فقالت اربعة .. رأى رضا الشاذلى صديق الطفولة ضخم الجثة الذى طالما لعب معه فى سنوات ابتدائى

الباسمة .. سنوات جميلة هى .. كلما تذكرها سرعان ماترتسم ابتسامة شجن على ركن شفتيه

ابلة سناء وهى ترسم نجمة بقلمها الاحمر على خده كناية عن تفوقه فى الصف الرابع الابتدائى

رأى رئاسته لفريق اوائل الطلبة فى الصف الخامس الابتدائى

ومحاولاته الكوميدية كى يصبح رجل فى الاعدادية القديمة

وسنوات المراهقة المرهقة والمزعجة فى الثانوية العسكرية , المتزامنة , مع دوامة الثانوية العامة

رأى قصص الاعجاب المكسورة .. رأى تعنت والده .. رأى طيبة أمه ..

رأى كل شخص قابله فى سنوات معينة من عمره .. ثم افتقده فى بقية السنوات

كم تألم لرحيل الاشخاص فجأة بدون وداع

رأى ضحكاته العالية فى الكلية

رأى دموعه التى كانت دوما قريبة من عينيه والتى لم يذرفها امام احدا .. ابدا

.......


لم تكن جروحه المفتوحة من اثر الاصطدام بالسيارة هى التى تؤلمه

كل ما اوجعه هو احلامه التى لم ترى النهايات السعيدة أبدا

قلبه .. الذى عاش وحيدا بائسا طيلة عشرون عام وبضع

قلبه .. الذى لم يرى فرح والذى رجع كل مشوار بجرح

شخص أمضى سنوات عمره القليلة فى محاولة استيعاب الحياة .. فلم يفهمها ولم تفهمه ..

كم محاولة منه لفهم نفسه من جهة وفهم الحياة من جهة اخرى قد باءت بالفشل .. والفشل الذريع

سرقه الوقت حتى صارت حياته كلها على المحك , فها هو الان , شبه جثة ترقد على الاسفلت البارد

لا يبالى بالناس التى تزداد وابواق سيارة الاسعاف القادمة من بعيد .. ولم يرى صدمة ابناء شارعه فى عيونهم وهم يحاولون اسعافه باى شىء

لم يحس بشىء من هذا .. لم يحس الا بمرارة ان تغتالك الحياة وأنت صغير بسكين صدىء , مرارة لم يحسها ابدا , برغم ان المرارة كانت

صديقته فى اغلب اوقات حياته .. لكنها مرارة الموت.. مرارة يتذوقها الانسان مرة واحدة فقط

كم قال لهم انه سيموت فى ريعان شبابه .. لان قلبه المرهف لن يحتمل صلابة الحياة القاسية لفترة طويلة


كل نفس يخرج منه .. يدخل بصعوبة اشد من النفس الذى سبقه ..

كان خائفا من لقاء ربه .. خائفا جدا ..

برغم انه لم يرتكب الفظائع التى ارتكبها اقرانه ولم يتذكر انه ظلم احدا او حاول ان يؤذى احد

كان احساس يمشى على قدمين , انسان نقى , اضعف من جرح ألد اعداؤه

لكنه برغم كل هذا كان خائفا من اللحظات التالية

خائفا من ذنوبه الصغيرة الكثيرة



ادرك فى هذه اللحظة .. ان كل من قال ان الموت لحظة كان صادقا .. وصادقا جدا

فمن لحظات قليلة كان فى بيته يحاول ان يغلق الكمبيوتر كى يذاكر بجدية لان امتحانه على الابواب

ولأن لحظة وفاته قد جاءت .. فقد نزل يبتاع قهوة كى تعينه على السهر والمذاكرة

لم ينصت الى نداءات امه المتوسلة بعبث النزول فى هذه السيول

لم يعيرها اى انتباه برغم اصرارها الغريب على عدم نزوله

كانت تحس بقلب الام ان هناك شىء ما غير مريح - قلبها كان مقبوض -

ولكن لأن ساعة وفاته قد حانت فقد استهتر بنداءات امه المتوسلة ونزل الى الشارع - بالترينج - الابيض

فلم تمض سوى لحظات قليلة حتى تحول لون - الترينج الابيض - الى الاحمر الدموى

..

يصارع الموت وتتشبث روحه الشابة بالحياة .. لكن هيهات

كان كغزال وليد يصارع اسد محنك

ولم تدم المعركة طويلا


..



كأنه اعلان فى التليفزيون لفيلم جديد سيطرح فى دور العرض قريبا

رأى اهم احداث حياته

وبعدما انتهى الاعلان من العرض فى شاشة خياله ..

نطق الشهادتين .. و ..

هق ..

صعدت روحه الى بارئها ..




,,


كان يوم جنازته يوما مهيبا بحق

ولم يحتمل اكبر شوارع دمياط كم الاعداد التى توافدت على هذه الجنازة

من بورسعيد , مسقط رأسه , حيث اقارب امه

من بورسعيد , التى طالما اعتبرها بلده الحقيقى , أتى جموع غفيرة غير مصدقين الخبر

أتوا ومازالت الحسرة على وجوههم .. وذهول ما بعد الصدمة يحلق فوق رؤوسهم

وتقدم الجنازة كل اصدقاؤه ..

انخرط اغلبهم فى بكاء يدمى القلوب والقلة الباقية خارت قواها لدرجة انها لم تقوى على البكاء واخرون يستندون الى الناس لان سيقانهم فقدت

القدرة على المشى

كان اصدقاؤه كثيرون بحق .. لان الفقيد كان اجتماعى بطبعه .. وكان محبوبا جدا .. ومات دون ان يدرى ان هناك كثيرون جدا يحبوه كل هذا

الحب ..

كانت الجنازة مسيرة فى حب الفقيد

لم يتخلف عنها احدا ممن ابلغوا بها .. ولم يختلق شخص اى اعذار


هناك من اصدقاؤه من يقسم انه تبادل معه المزاح قبل الوفاة بساعة واخر يبكى ويقول انهم اتفقوا على صلاة الفجر على ان يراجعوا ما ذاكروا بعد

الصلاة ,, واخر كلمة قالتها أمه قبل ان تدركها غيبوبة مؤقتة .. قلتله مينزلش .. كنت حاسة .. قلتله مينزلش .. قلتله مينزلش

وفى الاسبوع التالى لوفاته ..

ذهبت زميلاته المقربات الى الكلية بالاسود حدادا على روحه والبعض الاخر لم يأتى الى الكلية برغم اهمية هذه الفترة التى تسبق الامتحانات بأسبوع

وهناك من بكت بحرقة لانه سألها قبل وفاته عندما لاحظ ملابسها الانيقة , هل سترتدى الاسود عندما اموت , فأجابت ..

سأرتديه شــهــــر

بكت بحرقة حتى بكى الناس من جديد

وأخريات قد صمموا صورة كبيرة للفقيد وهو يبتسم ابتسامته الحزينة وعليها شريط عريض اسود وتحتها جزء من قصيدة الى روح الفقيد التى كتبها

يوما ما لرثاء احدهم .. وقد وضعوا الصورة فى منتصف الكلية وقد حصلوا على كل الموافقات اللازمة من المسئولين فى اقل من ربع ساعة ..

وهو الذى اضاع اغلب اوقاته فى الكلية طوال اربع سنوات فى الحصول على الموافقات اللازمة لعمل انشطة أسرته ..

كانت موافقات تعليق صورة وفاته اسهل من كل الموافقات الصعبة التى حصل عليها فى حياته

.................

فى الكلية

الصدمة تحتل جميع المشاهد فى خيال كل من يعرفه .. معرفة قوية ,, او حتى سطحية

الوجوم وبقايا الدموع باقية فى عيون اصدقاؤه والكلمات والضحكات مقتضبة فى افواه من لا يعرفوه اسما ويعرفوه شكلا فقط

لم يتذكر احدهم او احداهن اى شىء يذم الفقيد برغم انه لم يكن ملاك بل كان انسان يخطىء قبل ان يصيب

لكن الجميع , من اختلف معه ومن اتفق , تذكر له كل خير واتفق على طيبة قلبه ونقاء سريرته

واصبح المتأمل فى احوال اصدقائه المقربين يرى بوضوح صبغة التدين التى صبغت كل افعالهم واقوالهم

لانهم قد اقتنعوا فجأة بأن الموت لا يفرق بين صغير او كبير ولا يميز بين مبصر او ضرير

فكم اتى الموت على قلوب يافعة تعشق الحياة ولم يرى بعيونه شيوخا واهنين سئموا العيش فيها

وضع الجميع نفسه مكان الفقيد و ارتعبوا لفكرة موتهم فجأة وهم فى ريعان شبابهم

اقترب اكثرهم الى الله حتى يكونوا على اتم استعداد عندما تحين سقرات الموت

فوفاة محمد كانت درسا قاسيا جدا تعلموا منه ان الموت فعلا

لحظة ..

مجرد لحظة ..


هناك 8 تعليقات:

بنت دمياط يقول...

يا خبر يا خبر..ايه دا..بص بغض النظر عن ان طريقة صياغتك للحدث رائعة وبتجسد الصورة وكأني شايفاها أدام عيني (علي فكرة انتا تنفع مخرج شاطر جدا)بس متكتبش حاجات زي كدة تاني بعد الشر عليك ألف مرة ربنا يطول في عمرك ويرزقك البركة والسعادة..اللهم آمين..وياسيدي ان شاء الله انتا هتفضل عايش لغاية ما احنا كلنا نموت..وتقول الله يرحمهم..وعلي فكرة خطوة جميلة منك انك كتبت موضوعين مرة واحدة..أنا والله فرحت جدا..ربنا يوفقك

سما يقول...

ليه التشاؤم دا يا محمد.انا عمرى ما شفت حد يتخيل طريقة موته بالتفصيل دا..حرام عليك.انت ضحكتنى وبكتنى فى نفس الوقت.ربنا يوفقك يا رب

محمد سمير يقول...

بنت دمياط .. كلنا هنموت
اهم حاجة ان كلنا ندخل الجنة ان شاء الله
وربنا يرزقك انتى البركة والسعادة ان شاء
شكرا لتعليقك الرائع دايما
متحرميناش من كلامك الجميل ده يا بنت دمياط

محمد سمير يقول...

سما.. فينك من زمان

انا اسف انك بكيتى
ويارب حياتك كلها افراح

غير معرف يقول...

فعلآ هي قصيدة جميلة جدآ ومفيش فيها كلام بس فعلآ بتحصل حقيقي لشباب كتير والقصيدة بتفوق ناس كتير من الوهم اللي عايشين وبيقولوا أنهم لسه بدري عن الموت بتوضحلهم أن الموت مش بإنسان صغير أو كبير بس القصيدة دي قلبت المواجع عليا جدآ ربنا يرحم أمواتنا وأموات المسلمين
ربنا يوفقك يامحمد .

غير معرف يقول...

فعلآ هي قصيدة جميلة جدآ ومفيش فيها كلام بس فعلآ بتحصل حقيقي لشباب كتير والقصيدة بتفوق ناس كتير من الوهم اللي عايشين وبيقولوا أنهم لسه بدري عن الموت بتوضحلهم أن الموت مش بإنسان صغير أو كبير بس القصيدة دي قلبت المواجع عليا جدآ ربنا يرحم أمواتنا وأموات المسلمين
ربنا يوفقك يامحمد .

غير معرف يقول...

فعلآ هي قصيدة جميلة جدآ ومفيش فيها كلام بس فعلآ بتحصل حقيقي لشباب كتير والقصيدة بتفوق ناس كتير من الوهم اللي عايشين وبيقولوا أنهم لسه بدري عن الموت بتوضحلهم أن الموت مش بإنسان صغير أو كبير بس القصيدة دي قلبت المواجع عليا جدآ ربنا يرحم أمواتنا وأموات المسلمين
ربنا يوفقك يامحمد .

agleam يقول...

الاسلوب خلانى اصدق الكلام بجد واندمجت اوى فيه وتخيلت وعشت الاحداث بالكامل كانه حقيقة خاصة مع موسيقى ايام السادات ربنا يطول فى عمرك ومتمتش بالطريقة دى وتشوف بهدلتها واهلك يتعذبوا ده الكلام عذاب امال الواقع هيكون ايه بجد ربنا يوفقك الكبير كبير انت موهوب بجد مش مجاملة